في خطوة لافتة جذبت أنظار العالم، التقى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارته المفاجئة إلى كوريا الجنوبية الأسبوع الماضي.

ورغم أن العناوين الرسمية تحدثت عن “تعزيز التعاون الاقتصادي الآسيوي”، فإن المراقبين يجمعون على أن الهدف الحقيقي من اللقاء كان مناقشة ملف المعادن النادرة، ذلك المورد الاستراتيجي الذي بات يشكّل قلب الصراع على قيادة الاقتصاد العالمي في القرن الحادي والعشرين.


خلفيات اللقاء... سياسة الموارد قبل الدبلوماسية


جاء اللقاء بعد أيام من إعلان الصين تجميد قيود تصدير المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة لمدة عام واحد، في خطوة وُصفت بأنها بادرة تهدئة تجارية بعد فترة من التوتر بين الجانبين.

غير أن دوائر سياسية واقتصادية أكدت أن الاجتماع بين الزعيمين تجاوز الطابع البروتوكولي، ليصبح تفاوضًا استراتيجيًا حول السيطرة على الموارد التي تُغذّي الثورة التكنولوجية الحديثة.


وبحسب محللين، فإن ترامب يسعى إلى إعادة فتح قنوات الاتصال مع بكين، وإقناعها بعدم استخدام المعادن النادرة كوسيلة ضغط اقتصادي في مواجهة واشنطن، خصوصًا مع ازدياد اعتماد الصناعات الأمريكية على تلك الموارد في مجالات الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة وصناعة الرقائق الإلكترونية.


ما هي المعادن النادرة ولماذا تُعد بهذه الأهمية؟


المعادن النادرة أو العناصر الأرضية النادرة هي مجموعة من 17 عنصرًا كيميائيًا تُستخدم في معظم التقنيات الحديثة.

ومن أبرز استخداماتها:


المحركات الكهربائية للسيارات الحديثة والطائرات بدون طيار.


الهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية.


الرقائق والمعالجات الدقيقة في صناعة الحواسيب.


الأنظمة العسكرية المتطورة مثل الصواريخ والمقاتلات.


مصادر الطاقة المتجددة مثل توربينات الرياح والألواح الشمسية.


وتُعد الصين المنتج الأكبر عالميًا لهذه المعادن، إذ تتحكم بما يزيد عن 70% من الإنتاج العالمي، ما يمنحها قوة اقتصادية هائلة في سوق التكنولوجيا الحديثة.


المعادن النادرة كسلاح اقتصادي


منذ عام 2023، ومع تصاعد الخلافات حول أشباه الموصلات والذكاء الصناعي، بدأت بكين في فرض قيود وتراخيص على تصدير معادن استراتيجية مثل الغاليوم والجيرمانيوم والجرافيت — وهي مواد أساسية في صناعة الشرائح الإلكترونية والبطاريات.


هذا القرار أثار مخاوف الشركات الأمريكية الكبرى، إذ تعتمد بشكل كبير على هذه المعادن في عملياتها الإنتاجية.

فأي انقطاع في الإمدادات يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ الصناعات الدفاعية والتكنولوجية ويؤثر مباشرة على شركات مثل Apple وTesla وNVIDIA.


ترامب يسعى لتقليص الهيمنة الصينية


يرى مراقبون أن هدف ترامب من لقائه بالرئيس الصيني هو تحقيق توازن جديد في ملف المعادن النادرة عبر مفاوضات مباشرة، ومحاولة الحصول على ضمانات بعدم تقييد الإمدادات الحيوية.

في الوقت ذاته، تعمل واشنطن على توسيع تحالفاتها التعدينية مع دول مثل أستراليا وكندا والهند، وتستثمر مليارات الدولارات في مشاريع استخراج ومعالجة المعادن داخل الأراضي الأمريكية.


لكن رغم هذه الجهود، تبقى الصين متفوقة بخبرتها وتقنياتها الإنتاجية، وهو ما يجعل تجاوزها في هذا المجال أمرًا يحتاج إلى سنوات طويلة.


المعادن النادرة... القوة الجديدة للعصر الرقمي


لم تعد القوة في القرن الحادي والعشرين تُقاس بحجم الأسلحة أو النفط، بل بمدى السيطرة على المواد التي تحرك التكنولوجيا الحديثة.

المعادن النادرة أصبحت الوقود الجديد للثورة الرقمية والطاقة المستدامة، وهي التي تحدد من سيقود مستقبل الصناعة والذكاء الصناعي.


لذلك فإن لقاء ترامب وشي لم يكن مجرد دبلوماسية شكلية، بل مفاوضة على مستقبل الاقتصاد العالمي نفسه.


اللقاء بين الرئيسين الأمريكي والصيني يسلط الضوء على أن المعادن النادرة أصبحت سلاح النفوذ الجديد في عصر التكنولوجيا.

إنها الموارد الخفية التي تحكم مسار الذكاء الصناعي والطاقة الخضراء وتحدد شكل التوازن الاقتصادي في السنوات القادمة.