من تعدين العملات إلى تشغيل الذكاء الاصطناعي
مع الارتفاع الحاد في استهلاك الكهرباء الناتج عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بدأت شركات التقنية الكبرى تبحث عن مصادر بديلة للطاقة والبنية التحتية.
وبحسب معهد أبحاث الطاقة الكهربائية (EPRI)، قد يصل استهلاك مراكز البيانات في الولايات المتحدة إلى 9٪ من إجمالي استهلاك الكهرباء الوطني بحلول عام 2030 — أي أكثر من ضعف المعدلات الحالية.
في ظل هذا الطلب المتزايد، وجدت شركات مثل IREN نفسها في موقع استراتيجي بفضل امتلاكها لعقود طاقة طويلة الأجل، ومساحات ضخمة من الأراضي، ومراكز بيانات عالية الكثافة للطاقة كانت مخصصة سابقًا لتعدين العملات المشفرة.
وفي مقابلة مع صحيفة Investor’s Business Daily، أوضح كنت درابر، الرئيس التجاري للشركة، رؤية IREN الجديدة قائلاً:
“عملنا على مدى سنوات لتطوير مرونة في منصتنا تتيح لنا تحقيق الإيرادات بعدة طرق مختلفة.”
وأضاف: “العنصر الحاسم حاليًا في هذه الصناعة هو الحصول على الأرض والطاقة ومراكز البيانات القادرة على تشغيل تطبيقات ذات كثافة طاقة عالية — وكل ذلك متوفر لدينا في IREN.”
أداء قياسي لأسهم IREN في 2025
نجاح الشركة في معالجة هذه التحديات جعل أسهمها تحقق ارتفاعات غير مسبوقة.
فبعد أن انخفض سعر السهم إلى 5.13 دولار في أبريل، ارتفع إلى 74.15 دولار في منتصف أكتوبر قبل أن يشهد تصحيحًا بسيطًا، ليستقر لاحقًا فوق مستوى 60 دولارًا مدعومًا بتفاؤل المستثمرين وأداء تقني قوي.
وتتوقع الأسواق أن تكشف نتائج أرباح الشركة للربع الثالث في 6 نوفمبر عن قفزة كبيرة، حيث تشير تقديرات FactSet إلى ما يلي:
- ربحية السهم: ربح متوقع قدره 0.15 دولار مقارنة بخسارة 0.27 دولار العام الماضي.
- الإيرادات: نمو متوقع بنسبة 344٪ لتصل إلى 241.7 مليون دولار.
توسع سريع في خدمات السحابة الذكية
تركّز IREN حاليًا على توسيع قطاعها الجديد للخدمات السحابية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، حيث تمتلك الشركة وحدات GPU وتوفرها كخدمة لعملاء من الشركات والمؤسسات التقنية.
“نحن نتوسع بسرعة في قطاع خدمات الذكاء الاصطناعي السحابية. هذه ليست مجرد نقلة في النشاط، بل هي استراتيجيتنا منذ البداية”، يقول درابر.
“منذ تأسيس الشركة قبل سبع أو ثماني سنوات، كانت الفكرة الأساسية تقوم على النمو السريع في المجال الرقمي وتزايد الاعتماد على البيانات.”
ويضيف:
“اليوم نشغّل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القاعات ذاتها التي كانت مخصصة لتعدين البيتكوين. هذه الرؤية كانت جزءًا من استراتيجيتنا منذ اليوم الأول.”
الاستثمارات المستقبلية تركّز على الذكاء الاصطناعي
وحول خطط الإنفاق الرأسمالي، أكد درابر أن الأولوية القصوى موجهة نحو قطاع الخدمات السحابية للذكاء الاصطناعي:
“نرى طلبًا قويًا للغاية في هذا المجال. يبدو أن الذكاء الاصطناعي يمثل المرحلة القادمة من الثورة الصناعية — أو ما يعادلها رقميًا.”
تركز الشركة استثماراتها على توسيع قدراتها في الحوسبة عالية الأداء (HPC)، عبر مراكز بيانات متقدمة تدمج حلول التبريد الحديثة والطاقة المتجددة لتلبية احتياجات المعالجة المكثفة.
الطاقة... العقبة الأكبر أمام نمو الذكاء الاصطناعي
رغم هذا النجاح، يرى درابر أن أكبر تحدٍ يواجه الصناعة هو الوصول إلى مصادر الطاقة.
“الطاقة هي العقبة رقم واحد اليوم. هناك نقص في مراكز البيانات القادرة على استيعاب كثافات الرفوف المطلوبة لمعالجات GPU. ولإنشاء المزيد من المراكز، تحتاج أولًا إلى الأرض والطاقة — وكلاهما أصبح نادرًا بشكل متزايد.”
هذا النقص خلق منافسة مباشرة بين شركات الذكاء الاصطناعي ومُعدّني العملات المشفرة على الموارد نفسها — الأرض والطاقة.
إعادة تعريف مفهوم "التعدين"
تغيّر شركة IREN اليوم المفهوم التقليدي لتعدين العملات الرقمية، إذ لم يعد الهدف “تعدين العملات” بل توليد الطاقة وتشغيل الحوسبة الذكية.
فالتحول نحو الذكاء الاصطناعي منح الشركة هوية جديدة كشركة طاقة وحوسبة متقدمة، وليس مجرد مُشغّل لتقنيات البلوكشين.
وقد تلهم تجربة IREN شركات التعدين الأخرى لتسلك النهج نفسه — عبر استغلال بنيتها التحتية الحالية لخدمة النمو المتسارع في الطلب على الطاقة والحوسبة.
تجسّد قصة نجاح IREN التحول العميق الذي يشهده الاقتصاد الرقمي — حيث أصبحت الطاقة هي العملة الجديدة في عصر الذكاء الاصطناعي.
لم تعد القيمة الحقيقية في الشيفرات البرمجية، بل في القدرة على توفير الطاقة المستدامة والبنية التحتية القادرة على تشغيل أضخم النماذج الحسابية في العالم.
إن رؤية IREN واستثماراتها المبكرة في مراكز بيانات عالية الكثافة جعلتها لاعبًا أساسيًا في الثورة الرقمية القادمة، لتؤكد أن من يملك الطاقة يملك المستقبل.
في عام واحد فقط، تحولت IREN من شركة تعدين تواجه تقلبات سوق العملات المشفرة إلى قوة محركة للذكاء الاصطناعي.
ارتفاع سهمها بنسبة 500٪ لا يعكس فقط ثقة المستثمرين، بل يمثل أيضًا علامة فارقة في التحول نحو اقتصاد يعتمد على الطاقة والذكاء الصناعي معًا.
وفي ظل التوسع المستمر للذكاء الاصطناعي عالميًا، يبدو أن مُعدّني الأمس سيصبحون مزوّدي الطاقة للغد.